-II ظاهرة
العولمة الإقتصادية:
بعدما
تعرضنـا للسياق التاريخي الذي تضافرت عوامله مؤدية إلى المفهوم الجديد: العولمـة
الإقتصاديـة, سنحاول في هذا الفصل دراسة الظاهرة عن قرب بدراسة مفهومها و التعرض
لمظاهرها و كذا خصائصها, مع التركيز على العولمة المالية (أي البعد المالي للعولمة
الإقتصادية).
-1-II مفهوم و مظاهر العولمة الاقتصادية:
-1-1-II تعريف العولمة:
"العولمـة
هي انفتاح عن العالم, و هـي حركة متدفقة ثقافيا و اقتصاديا و سياسيا و تكنولوجياً,
حيث يتعامل مدير اليوم مع عالم تتلاشى فيه تأثير الحدود الجغرافية و السياسية,
فأمامنا رأس مال يتحرك بغير قيود و ينتقلون بغير حدود, و معلومات تتدفق بغير عوائق
حتى تفيض أحيانا عن طاقة استيعاب المديرين. فهذه ثقافات تداخلت و أسواق تقاربت و
اندمجت, و هذه دول تكتلت فأزالت حدودها الإقتصادية و الجغرافية, و شركـات تحالفت
فتبادلت الأسواق و المعلومات و الاستثمارات عبر الحدود, و هـذه منظمات مؤثرة
عالمياً مثل: البنك الدولي, صندوق النقد الدولي, ووكالات متخصصة للأمم المتحدة تؤثر
بدرجة أو بأخرى في اقتصاديات و عملات الدول و مستـوى و ظروف معيشة الناس عبر
العالم". (1)
-2-1-II مظاهر العولمة:
-1 تحـول مفاهيم الاقتصاد و رأس المال:
و
قد اقترنت العولمة بظواهر متعددة استجدت على الساحة العالمية, أو ربما كانت موجودة
من قبل, و لكن زادت من درجة ظهورها, و هذه الظواهر قد تكون اقتصادية أو سياسية أو
ثقافية أو اتصالية أو غيـرها, و لاشك أنّ أبرز هذه الظواهـر الإقتصادية التي أهمهـا:
-
تحول
الإقتصاد من الحالة العينية (الأنشطة التقليدية كتبادل السلع عينياً بالبيع و
الشراء) إلـى الإقتصاد الرمزي الذي يستخدم الرموز و النبضات الإلكترونية من خلال
الحواسب الإلكترونية و الأجهزة الإتصاليـة, و ما ينتج عن ذلك من زيادة حجم التجارة
الإلكترونية و التبادل الإلكتروني للبيانات في قطاع التجارة و النقل و المال و
الإئتمان و غيرها.
-
تحول
رأس المال من وظائفه التقليدية كمخزن للقيمة و وسيط للتبادل, إلى سلعة تباع و
تشترى في الأسواق (تجارة النقود)؛ حيث يدور في أسواق العالم ما يزيد عن 100 تريليون دولار (100 ألف
مليار) يضمها ما يقرب 800 صندوق استثمار, و
يتم التعامل يومياً في ما يقرب من 1500 مليار $, أي أكثر
من مرتين و نصف قدر الناتج القومي العربي, دون رابط أو ضـابط, و هو ما أدى إلى
زيادة درجة الاضطراب و الفوضى في الأسواق المالية, و أعطى لرأس المال قوة لرفض شروطه
على الدول للحصول على أقصى ما يـمكن من امتيازات له. و قد أدى هذا كله إلى زيادة
التضخم نتيجة لزيادة قيمة النقـود.
-
تعمق
الإعتماد المتبادل بين الدول و الاقتصاديات القومية, و تعمق المبادلات التجارية من
خلال سرعة و سهولة تحرك السلع و رؤوس الأموال و المعلومات عبر الحدود مع النزعة
إلى توحيد الأسواق المالية, خاصة مع إزالة كثير من الحواجز الجمركية و العقبات
التي تعترض هذا الانسياب بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية, التي بدأت نشاطها في
بداية عام 1995م,
و هو ما يشاهد الآن بعد توحد بورصة لندن و فرانكفورت اللتين تتعاملان في حوالي 4 آلاف مليار $, كذلك توحد بورصات أوروبية أخرى, و هناك اتجاه
متزايد نحو إنشاء سوق مالية عالمية موحدة تضم معظم أو جميع البورصات العالمية, و
تعمل لمدة 24ساعة
ليمكن المتاجرة في أسهم الشركات الدولية من أي مكان في العالم.
و قد ترتب عن إزالة الحواجز و العوائق
بين الأسواق أن أصبحت المنافسة هي العامل الأقوى في تحديد نوع السلع التي تنتجها
الدولة, و بالتالي فإن كثيراً من الدول قد تخلت عن إنتاج و تصدير بعض سلعها؛ لعدم
قدرتها على المنافسة مثل صناعة النسيج في مصر التي انهارت أمام منافسة دول جنوب
شرق آسيا, و أصبحت تلك الدول تحصل على حاجتها من دول أخرى لها ميزة تنافسية في
إنتاج تلك السلع, و هو ما ينطبق أيضا على رؤوس الأموال التي أصبحت مركزة في بعض
الدول المنتجة و المصدرة للبترول, و على الدول التي تحتاج إلى تلك الأموال أن تحصل
عليها من الدول المتقدمة.
-2 دور أكبـر المنظمات العالمية:
-
زيادة
الإنفتاح و التحرر في الأسواق و اعتمادها على آليات العرض و الطلب من خلال تطبيق
سياسات الإصلاح و التكييف الإقتصادي و الخصخصة, و إعادة هيكلة الكثير من
الاقتصاديات الموجهة و اقتصاديات الدول النامية مع متطلبات العولمة (مثلما حدث في
مصر, و يحدث الآن في دول الخليج فضلاً عن باقي دول العالم).
-
زيادة
دور و أهمية المنظمات العالمية في إدارة و توجيه الأنشطة العالمية، كصندوق النقد
الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير, و منظمة العالمية للتجارة, و اليونسكو,
و منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة و غيرها.
-
التوجه
نحو تشكيل العديد من التكتلات الإقليمية الإقتصادية و السياسية و الثقافية مثل
تكتل الأسيـان و الإتحاد الأوروبي و غيرها, و الزيادة الملحوظة في أعداد المنظمات
غير الحكومية بعد أن بدأ دور الدولة في إدارة الإقتصاد في التناقض.
-3 تفاقم المديونية و تزايد الشركات المتعددة الجنسيات:
-
استشراء
ظاهرة الشركات المتعددة الجنسيات, مع سيطرتها على الإستثمار و الإنتاج و التجارة
الدولية و الخبرة التكنولوجية مثل شركة IBM, و مايكروسوفت و غيرها, خاصة بعد أن ساوت منظمة التجارة العالمية
بين هذه الشركات و الشركات الوطنية في المعاملة.
-
تفاقم
مشاكل المديونية العالمية و خاصة ديون العالم الثالث, و الدول الفقيرة مع عدم
قدرتها على السداد, و ما تزامن مع ذلك مع زيادة حجم التحويلات العكسية من الدول
الفقيرة إلى الدول المتقدمة, و المتمثلة في خدمة الديون و أرباح الشركات المتعددة
الجنسيات و تكاليف نقل التكنولوجيا و أجور العمالة و الخبرات الأجنبية, و الذي
قابله في نفس الوقت تقلص حجم المعونات و المساعدات و المنح الواردة من الدول
المتقدمة إلى الدول النامية و عدم جدواها.
-
ظهور
تقسيم دولي جديد للعمل تتخلى فيه الدول المتقدمة للدول النامية عن بعض الصناعات
التحويلية (هي الصناعات التي تعتمد على تحويل المادة الخام إلى سلع مصنعة يمكن
الاستفادة منها, كصناعات الصلب, و البيروكيماويات, و التسليح و غيرها) التي لا
تحقق ميزة نسبية, مثل الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة و كثيفة العمل و الملوثة
للبيئة, و ذات هامش الربح المنخفض, مثل صناعات الصلب و البتر وكيماويات و التسليح,
بينما ركزت الدول المتقدمة على الصناعات عالية التقنية كصناعة الحاسبات و البرامج
و أجهزة الاتصالات و الصناعات الالكترونية, ذات الربحية العالية و العمالة الأقل.
-4 تبديد الفوائض بدلا من تعبئتها:
-
تغير
شكل و طبيعة التنمية, فبعد أن كانت التنمية تعتمد أساساً على تعبئة الفوائض و
التمويل الذاتي (الادخار), تحولت إلى تنمية تعتمد على الاستثمارات الخارجية و
الشركات المتعددة الجنسيات, و أصبحت التنمية هي تنمية الفوائض و المدخرات
(الاستهلاك) كناتج أساليب الاستهلاك الترفيهي المتزايدة, تحت ضغط الآلة الإعلانية
الجبارة, التي أدت إلى عجز مزمن في موازين المدفوعات و تفاقم أزمة الديون في
العالم الثالث, و تركيز التنمية على الجانب الإقتصادي فقط أي تحولها إلى تنمية
وحيدة الاتجاه تهمل الاتجاه الإجتماعي و الثقافي,مع اعتماد نظام السوق ليكون أساسا
للتنمية في مختلف بلاد العالم. حتى الطبقات عالية الدخل في الدول النامية التي من
المفترض أن تكون نسبة ميلها (نسبة الإنفاق على الإستهلاك من الدخل الكلي) قليلة و
أصبحت تلك الفئات المسرفة التي تبدد دخولها على الاستهلاك الترفيهي, و بالتالي فإن
ميلها الإستهلاكي أصبح مرتفعاً, و قد ساعد على ذلك قدرة الاقتصاديات المتقدمة على
إنتاج سلع جديدة و التنوع في السلع القديمة مثل ابتكار طرازات جديدة من السيارات و
السلع المعمرة و غيرها.
-
تراجع
نصيب المادة الأولية في الوحدة من المنتج في العصر الحديث بسبب تطور الإنتاج, و هو
ما يسمى بالتحلل من المادة, و إحلال الطاقة الذهنية و العملية (الفكر), محل جزء من
المادة الأولية, مما أدى إلى تراجع الأهمية النسبية للنشاط الصناعي في الهيكل
الإنتاجي في الدول المتقدمة الصناعية و تصاعد الأهمية النسبية لقطاع الخدمات, و قد
زادت الأهمية النسبية لنشاط الخدمات داخل النشاط الصناعي ذاته بحيث أصبحت تمثل
أكثر من %60 من الناتج الصناعي, لتنامي الصناعات عالية التقنية, و ظهور مجموعة
جديدة من السلع غير الملموسة كالأفكار و التصميمات و المشتقات المالية استقطبت
المهارات العالية, و ما ترتب عن ذلك من زيادة عملية التفاوت في الأجور, و بالتالي
توزيع الدخل القومي توزيعا غير عادل, سواءا على مستوى أفراد الدولة الواحدة أو بين
الدول.
-5 زيادة الفوارق بين الطبقات و البطالة:
- تعمق الثنائية الإجتماعية في مجتمعات
العالم الثالث, فبعد أن كانت الفوارق مادية, أصبحت هذه الفوارق مادية و تكنولوجية
بسبب استحواذ الطبقات مرتفعة الدخل على الإنجازات التكنولوجية عالية القيمة التي
يصعب على الفقراء اقتناؤها, كالإنترنت و التليفون المحمول و الحاسبات الإلكترونية
و غيرها..., و يؤدي هذا في المستقبل إلى زيادة و ترسيخ التخلف في الطبقات الفقيرة
و صعوبة تقليل الفوارق بين الطبقات العالية الدخل و الفقيرة في المجتمع مما بهدد
الاستقرار الاجتماعي.
- زيادة و انتشار البطالة في المجتمعات
و خاصة في الدول النامية بسبب الاتجاه إلى استخدام الأساليب كثيفة رأس المال, التي
تعتمد على استخدام عدد أقل من القوى العاملة, و ذلك بسبب الحاجة إلى تخفيض تكاليف
و زيادة مستوى الجودة, فلا مكان للمنافسة في السوق العالمية الموحدة بعد إنشاء
منظمة التجارة العالمية.
- إحلال مفاهيم جديدة محل القديمة
كسيادة مفهوم الميزة التنافسية, و حلوله محل الميزة النسبية, بعد توحد الأسواق
الدولية و سقوط الحواجز بينها, و كذلك سقوط مفهوم التساقط الذي تبناه البنك الدولي
و صندوق النقد الدولي لمدة طويلة, حيث إن الطبقات العالية الدخل في الدول النامية
هي طبقات مسرفة لا تدخر و لا تستثمر و تبدد فوائضها في مصارف استهلاكية لا يستفيد
منها الجميع, و هو ما أدى إلى تناقض معدلات النمو في هذه الدول بسبب الاستثمارات و
زيادة عجز الموازين التجارية و موازين المدفوعات.
و تعني الميزة التنافسية للدولة قدرتها
على إنتاج سلع و تصديرها لتنافس في الأسواق العالمية دون أن تتوفر لها المزايا
التي تساعدها على إنتاج هذه السلع مثل الظروف الطبيعية و المناخية و المواد
الأولية, وذلك نتيجة تفوقها التكنولوجي, حيث يمكن لها استيراد المواد الأولية من
الخارج و تصنيعها بدرجة عالية من الجودة و بتكلفة أقل لتنافس في السوق العالمي
مثلما يحدث في اليابان, و سنغافورة و دول جنوب شرق آسيا, و قد ساعد على ذلك تناقص
قيمة المادة في السلع و زيادة القيمة الفكرية و الذهنية نتيجة استخدام الحاسب و
أجهزة الاتصالات.
أمـا الميـزة النسبيـة, فهي تعني توفر
مزايا للدولة تساعدها على إنتاج سلع معينة كالظروف الطبيعية و المناخية و المواد
الأولية أو القوى العاملة الرخيصة, إلا أن هذه المزايا قد لا تساعدها على المنافسة
في الأسواق العالمية؛ ربما لانخفاض الجودة أو لارتفاع التكلفة بسبب غياب
التكنولوجيا.
-
اتجاه
منظمات الأعمال و الشركات إلى الإندماج؛ لتكوين كيانات إنتاجية و تصنيعية هائلة,
الغرض منها توفير العمالة و تقليل تكاليف الإنتاج و الحصول على مزايا جديدة كفتح
أسواق جديدة أو التوسع في الأسواق الحالية, و هو ما نشاهده الآن من اندماجات
الشركات الكبرى مع بعضها, حيث دخلنا فيما يسمى بعصر "الديناصـورات
الإنتاجيـة" الهائلة و الأمثلة على ذلك كثيرة في مجالات البترول و
التكنولوجيا و المعلومات والمصارف, و ينتج عن ذلك بالتأكيد تطوير كبير في علم
الإدارة و الرقابة و السيطرة للتوصل إلى مهارات إدارية و تنظيمية و صيغ جديدة من
الأشكال التنظيمية التي تناسب هذه الكيانات الكبيرة.
-1 تدفق التبادلات التجارية كمحرك للنمو الإقتصادي:
التبادلات
التجارية: تمكن الخاصية الرئيسية للعولمة الإقتصادية أساساً في الزيادة
السريعة و المتزايدة للتجارة الدولية منذ الحرب العالمية الثانية, إذ نلاحظ
التزايد السريع لقيمة تبادل البضائع أكثر من قيمة الإنتاج و المداخيل (إجمالي
الناتج الداخلي الخـام).
فعلى سبيل المثال فإن حصة الخدمات
(المواصلات, التأمينات, الاتصالات السلكية و اللاسلكية, السياحة, حقوق التأليف...)
من التأليف ذات التكاثر و إن التكاثر المسترسل و المستمر بشكل واضح, إذ تمثل هذا
الأخير اليوم 1/5 التبادلات, هذا
من جهـة, تتزايد حصة المنتوجات المانفاكتورية كذلك على حساب المنتوجات القاعدية
الموجهة أساساً للتحويل في القطاع الصناعي، إذ انتقلت نسبة الخدمات من %56 سنة 1982 إلـى %73 سنة 1992م
من جهة أخرى.
هيمنة الشمال: تحقق الدول المتطورة أكثر
من ¾ التجارة العالمية, و على العموم فإن مساهمة الدول السائرة في طريق
النمو لهذا القرن تشهد تزايداً ملحوظاً منذ بداية التسعينات في مجال التجارة
العالمية.
-2 انفجار و تدفق التبادلات المالية و الاستثمارات في الخارج:
إلغاء التنظيمات: تميزت
العولمة بتسريع المتبادلات المالية و تطور الاستثمارات المباشرة في الخارج, إن
مصدر هذه الحركة يعود جزئيا إلى تعميم الانزلاقات و عدم التحكم فيها خلال الثمانينات, و مما سهل من هذه المهمة
وجود الابتكارات التكنولوجية التي تؤدي إلى توزيع الإعلام و التحويلات الفورية,
عرفت كل نشاطات البورصة و البنوك الداخلية و كذا الحركات لرأسمال تحررا مطلقا.
فعلى سبيل المثال, إن التزايد المالي في
الأسواق المصرفية ما بين 1988-80 تضاعفت بحوالي 8.5 مرة في دول منظمة التعاون و التنمية الإقتصادية (OCDE), و تدفق الاستثمارات المباشرة في الخارج ب3.5مرات, و كذا التدفق التجاري و الناتج
الداخلي الخام ب 1.9مرة,
و هكذا فـإن الاستثمارات المباشرة في الخارج زادت سرعتها بثلاث مرات عن المبادلات
التجارية خلال سنوات الثمانينات, و قد بلغ مجمل الزيادة السنوية للإستثمارات حوالي
870مليار
مقابل 290مليار
خلال العشرية السابقة, و بهذا تصبح أهمية وزن القطاع الخدمات (المال/ التوزيع)
تعادل و تساوي الاستثمارات الصناعية.
- الدول الصناعية: شهدت
الولايات المتحدة الأمريكية تقلصا ملحوظا لحصتها في الاستثمارات في الخارج, و لكن
هذه الدولة إلى البلد الرئيسي المستقبل لهذه الاستثمارات, بينما كرست حضورها و
تواجهها في العالم كل من هولنـدا و بريطانيـا العظمـى و ألمانيـا, من جهة أخرى
حققت فرنسا و اليابان تغلغلاً معتبراً.
- تاريخيـاً: ساهمت
الدول المتخلفة بقسط ضئيل في هذه الحركة, ما دام أنّ تزايد استثمارات تمركز في
الدول المصنعة عموماً, و لكن انعكس اتجاه الاستثمارات في أواخر الثمانينات, إذ أن
حصة الدول السائرة في طريق النمو من الاستثمارات في الخارج عرفت تزايداً ملحوظاً,
و انتقل من %15 في سنة1989 ليصل إلـى %43 في 1993, و لكن تدفق
الاستثمارات في اتجاه الدول المتخلفة تميز جغرافي بارز (جنوب شرق آسيا خصوصاً), و
بسرعة فائقة تبرز و تنفرد خصوصيتها المالية الآسيوية الأخيرة التي شهدتها هذه
المنطقـة.
- التشجيع على عدم
وضع قواعد تنظيمية: مكنت السيولة
المالية للمؤسسات من خلق و انتقال وحداتها الإنتاجية بكل سهولة في البلدان التي
تتساهل كثيراً في مجال الأعباء الأجرية و الضرائب و القوانين البيئية, لذا يمكن
للبلدان الصاعدة أن تتسامح في مجال المعايير الإجتماعية و البيئية قصد جذب أكبر
عدد من الاستثمارات و رؤوس الأموال الأجنبية, هذه الفرضية يجب أخذها بكل تحفظ, لكن
الشيء المؤكد في هذا الشأن هو أنّ الرقابة و الصرامة للقواعد و الإجراءات
القانونية, الاجتماعية, و البيئية, و خاصة مرونة في العقوبات, كل هذا جعلها عوامل
جذب أو إغراء رأسمال المتأني من المؤسسات التي يهمها الربح فقط.
-3 الدور الضروري لقوة الشركات المتعددة الجنسيات:
إن
الظواهر التي وصفناها سابقا, كانت الشركات
المتعددة الجنسيات وراء تفعيلها أو المساهمة فيها, إذ تزامن هذا التزايد في
الشركات و بالتوازي مع هذه الحركة العالمية و التي عادت عليها بأرباح و منافع
هائلة.
-
منافع
تحت الرقابة: تمحورت مبادلات الشركات العظمى المتعددة
الجنسيات حول أربعة قطاعات أساسية (البترول, السيارات, التكنولوجية, العالمية,
البنوك), و لكن تعتمد هذه الأخيرة على خلق شبكة معتبرة من الفروع في الخارج
كامتداد و توابع لها في الدول النامية, و تتضمن تلك الشركات العظمى كل المبادلات,
و تحقق %70 من الاستثمارات المباشرة في الخارج باعتبارها المحرك الرئيسي
لتوسعها.
و تقدم هذه الشركات أداة تسيير, و
مهارات جيدة في مجال التحكم التكنولوجي, و إيجاد منفذ للتغلغل في الأسواق العالمية
و لكن يمكن أن تعتمد على أن الأسواق المحلية, لذا فهي تستفيد من وفرة اليد العاملة
الرخيصة في سـوق العمـل.
- القدرة التنافسية: و تؤهل هذه
الخصائص للشركات المتعددة الجنسيات, لاكتساب وزن في كل تفاوض مع الدول سواء
الشمالية أو الجنوبية, و في هذا الإطار تستطيع هذه الشركات اكتساب الوسائل اللازمة
للتأثير بشكل كبير في السياسات العمومية و بخاصة البيئة, و هذا ما يفسر المشاركـة
الفعالة للشركات الكبرى في اللقاءات و المفاوضات الدولية حول البيئة و التنمية, و
كذا المناقشات المتعلقة بمدونات حسن السلوك الإداري و المهيأة خصيصاً لهذه
الشركات.
- تطبيق أحداث أساليب الإدارة و يتم
توظيف الكفاءات و تستخدم وسائل الإتصال (الكمبيوتر, الأنترنت), و اتخاذ القرار
المناسب في الوقت و أحكام الرقابة على النشاطات الإقتصادية في العالم, فالعولمة
أساسها اقتصادي بالدرجة الأولى, لأنها أكثر وضوحـاً في أرض الواقع و أصبحت النظم
الإقتصادية متقاربة و متداخلة تحكمه أسس مشتركة, و تديره مؤسسات و شركات عالميـة.
أمـا الأسواق التجاريـة و الماليـة
فأصبحت خارجة عن تحكم دول العالم, و أصبحت الشركات الكبرى تدير عمليات الاستثمار و
الإنتاج, و بهـذا أصبحت حركة رأس المال و الاستثمار, و الموارد و السياسات ز
القرارات على الصعيد العالمي, و ليست على الصعيد المحلي.
نتيجـة لذلك, عرف النظام الاقتصادي
العالمي خلال التسعينات ظهور عدة معالم منها:
-
تداخل
الإقتصاد العالمي؛
-
التسارع
نحو الإقتصاد الحر؛
-
الخصخصة
و الاندماج في النظام الرأسمالي؛
-
تحول
المعرفة و المعلومة إلى سلعة استراتيجية و أصبح التركيز على الخدمات بدلا من
الصناعـة.
-
ظهور
تكتلات تجارية رئيسية تتمحور حولها الإقتصاد العالمي؛
-
ظهور
دول منطقة جنوب شرق آسيا كطرف مهم في الاقتصاد العالمي.
تعتبر
العولمة ظاهرة شمولية لها أبعاد اقتصادية و اجتماعية و سياسية و ثقافية, إلاّ أنّ
عقد التسعينات أبز ميلاد ما يمكن أن نسميه العولمة المالية, التي يرى البعض أنها
أبرز تجليات ظاهرة العولمة, حيث زادت رؤوس الأموال الدولية بمعدلات تفوق بكثير
معدلات نمو التجارة و الدخل العالميين.
و قـد حضيت الأبعاد المختلفة للعولمـة
بالكثير من الدراسة و التحليل, غير أنّ البعد المالي بقي منقوصـاً –إن لم نقل
مهملا- من التشخيص و البحث.
و قد شهد العالم أخيرا مثل الأزمات
المالية الخانة التي تعرضت لها المكسيـك (1995-94), و دول جنوب شرق آسيـا (1997) و التي كانت نموذجا يتحدى به, و البرازيـل (1998)؛ و روسيـا (1999), و ميلاد العملة
الأوروبية الموحدة "اليورو" و ما نتج عن ذلك من تأثيرات على الإقتصاد
العالمي, ألقت بضلالها على اهتمامات الباحثين و الجامعين.
إن
ظاهرة العولمة المالية تعكس من زيادة حركية في تنقل رؤوس الأموال قد تحمل معها
مخاطر عديدة و هزات مدمرة, كما أنها قد تجلت معها فوائد و مزايا – إن أحسن التصرف
فيها- تعود بالنفع على الاقتصاد العالمي بشكل عام و الدول النامية بشكل خاص, لأن
نمو هذه الأخيرة أصبح مشروطا ضروريا لتحقيق الاستقرار و النمو الاقتصادي العالمي و
لتضييق الهوة بين أطرافه.
لهذا فإن الإلمام بمدى نجاعة العولمة
للبلاد النامية و مخاطرها, يستوجب الوقوف عند العوامل المسببة لتعاظم هذه الظاهرة.
-1 العوامل المفسرة للعولمة المالية:
و
يمكن إيجاز هذه العوامل في النقاط التالية بغض النظر على الترتيب:
- صعوبة الرأسمالية
المالية:
و
نعني بها الأهمية المتزايدة لرأس المال التي يتجسد في صناعة الخدمات المالية
بمكوناتها المصرفية و غير المصرفية, و نتيجة لذلك أصبح الاقتصاد العالمي تحركه
مؤشرات و رموز البورصات العالمية (داوجونز, ناسدك, نيكاي, داكس, الكيك 40), و التي تؤدي إلى نقل الثورة العينية من يد مستثمر إلى آخر دون
أي عوائق سواء داخل البلد الواحد أو عبـر الحدود الجغرافية.
- الأموال:
إن
الحركة الدائمة لرؤوس الأموال الباحثة عن الربح على الصعيد العالمي تعكس وجود كتلة
كبيرة عن الفوائض الادخارية غير المستثمرة, فأصبح من الضروري البحث عن منافذ
لاستثمارها فراحت تبحث عن فرص استثمارية على الصعيد الدولي, لتدر مردوداً أفضل مما
لو بقيت في الداخل أو مستثمرة بمعدلات ربحية متدنية في الدول المصدرة لهذه
الأموال.
-ظهور الأدوات المالية:
تكرست
العولمة المالية بنمو الأدوات المالية الجديدة التي استقطبت المستثمرين مثل
المبادلات و الخيارات و المستقبليات, بالإضافة إلى الأدوات التقليدية التي تداول
في الأسواق المالية, و هي الأسهـم و السنـدات.
- التقدم التكنولوجي:
يتكامل
هذا العامل مع سابقة في الدور الذي تلعبه شبكات الاتصال و نقل المعلومات التي
يتيحها التقـدم التقني الهائل الذي نشهده اليوم, في ربط الأسواق المالية العالمية
مما يسمح للمستثمرين بالفعل و ردّ الفعل, على التطورات التي تحدث في هذه الأسواق
بصفة آنية و فورية.
- أثر سياسات الانفتاح المالي:
ارتبطت
زيادة التدفقات رؤوس الأموال عبر الحدود و سرعة انسيابها بين سوق و آخر بشكل وثيق
مع سياسات التحرر المالي الداخلي و الخارجي.
-2 العولمـة الماليـة – المزايا و المخاطر:
أ- المزايـا:
يرى
أنصار العولمة المالية أنها تحقق مزايا عديدة يمكن إجمالها في النقاط التالية:
Ø
بالنسبـة
للدول الناميـة:
- يمكن الانفتاح المالي الدول
النامية من الوصول إلى الأسواق المالية للحصول على ما تحتاجه من أموال لسد فجوة
في الموارد المحلية, أي قصور المدخرات عن تمويل الاستثمارات المحلية, مما
يؤدي إلى زيادة الاستثمار المحلي و بالتالي معدل النمو الاقتصادي.
- تسمح حركة الاستثمارات الأجنبية
المباشرة و استثمار الحافظة المالية بالابتعاد عن القروض المصرفية التجارية,
و بالتالي الحد من زيادة حجم الديون الخارجية.
- تخفيف تكلفة التمويل بسبب المنافسة
بين الوكلاء الإقتصاديين.
- تؤدي إجراءات تحرير النظام المصرفي
و المالي إلى خلق بيئة مشجعة لنشاط القطاع الخاص إلى الحد من ظاهرة هروب رؤوس
الأموال إلى الخارج.
- تساعد الاستثمارات الأجنبية على
تحويل التكنولوجية.
Ø
بالنسبة
للدول المتقدمة:
- تسمح العولمة المالية للبلاد
المصدرة لرؤوس الأموال ( وهي في الغالب الدول الصناعية الكبرى), بخلق فرص
استثمارية واسعة أكثر ربحية أمام فوائضها المتراكمة, و توفر ضمانات لأصحاب
هذه الأموال و تنويعا ضد المخاطر من خلال الآليات التي توفرها الأدوات
المالية و التحكيم بين الأسواق المختلفة.
ب- المخاطـر:
لقد أثبتت تجارب عقد التسعينات، أن العولمة
المالية بالنسبة للدول النامية كثيراً ما أدت إلى حدوث أزمات و صدمات مالية مكلفة
(المكسيك و النمور الآسيوية و البرازيل و روسيا...), و يمكن إيجاز مخاطر العولمة
المالية في النقاط التالية:
- المخاطر الناجمة عن التقلبات
الفجائية للإستثمارات الأجنبية (خصوصاً قصيرة الأجل مثل استثمارات الحافظة
المالية)؛
- مخاطر التعرض لهجمات المضاربة؛
- مخاطر هروب الأموال الوطنية؛
- مخاطر دخول الأموال القذرة (غسل
الأموال)؛
- إضعاف السيادة الوطنية في مجال
السياسة المالية و النقدية.
و لا يختلف كثيرا دور الاستثمارات
الأجنبية الخاصة في تنمية البلدان الأقل نمواً عن تحرير التجارة, فهذه الاستثمارات
تأتي لخدمة التجارة الخارجية و بدافع تحقيق الربح الوفير و السريع, فهي بالتالي
تعمل على تقديم التقسيم الدولي القائم و لا تغييره لصالح الدول النامية, إذ أنّ
رأي أنصار منظمة التجارة العالمية و المؤسسات الدولية الأخرى بأن تحرير التجارة و
الاستثمارات الأجنبية يسهم بشكل فعال في تحقيق النم الاقتصادي للدول تعترضه
تحفظات, فكثيراً ما يكون النمو و الأداء للاقتصاد هو الذي يجلب الاستثمارات
الأجنبية الخاصة و ليس العكس, حيث أن هذه الاستثمارات شأنها شأن القروض الخارجية
الممنوحة من طرف المؤسسات المالية الدولية, تذهب إلى الدبلابول التي نجحت بالفعل
في رفع معدلات نموها, مما تذهب إلى الدول التي تحتاج إلى هذه الأموال لرفع معدل
نموها, كما يشهد بذلك توزيع هذه الاستثمارات بين مناطق العالم.
ففي
عقد التسعينات مثلا اتجهت الحصة الكبرى من الاستثمارات الأجنبية إلى الدول
الأجنبية إلى الدول الصناعية الكبرى (الولايات المتحدة الأمريكية و أوروبا و
اليابان), و بلغت أكثر من %15 كمتوسط.
و إن كانت الدول النامية قد أفلحت في
زيادة حصتها من الاستثمارات فإن ذلك كان لصالح عشر دول ناشئة أو صاعدة و هي
(الأرجنتين, البرازيل, تشيلي, الصين, إندونيسيا, كوريا الجنوبية, ماليزيا و
المكسيك و تايلاند), حيث تستحوذ هذه الدول ثلاثة أرباع مجمل تدفقات رؤوس الأموال
إلى البلدان النامية, و هذا التوزيع ينفد فرضية التوزيع الأمثل و العادل لرؤوس
الأموال على الصعيد العالمي.
و إذا نظرنا إلى تركيبة هذه الأموال,
فإننا نلاحظ المكانة الكبرى للاستثمارات الأجنبية المباشرة, و التزايد المطرد
للاستثمار في الحافظة المالية عدى حساب القروض التجارية الأخرى, و هو ما يعكس رعية
الدول المستقطبة لهذه الموال في مثل النوعين الأولين لكونهما يخلقان فرصا جديدة للتمويل
و التشغيل دون إثقال الديون الخارجية للدول.
أمام هذه الوضعية, ما هي الإجراءات
اللازمة للاستفادة من حرية التجارة و الاستثمارات الأجنبيـة؟
-3 الإجراءات اللازمة للاستفادة من الوضع الاقتصادي الدولي:
لا
توجد الدول النامية في منزلة واحدة من التقدم و التنمية, و بسبب عدم وجود حلول
شاملة, فإن المشاكل الداخلية التي على هذه الدول أن تتخطاهـا لجني ثمار سياسات
الانفتاح و التحرير التجاري و جلب الاستثمارات الأجنبية, قد تختلف من بلد لآخر, و
لضمان ذلك لا بد من تحقق جملة من الأهداف نذكـر منـا:
أ- استقرار
السياسات الاقتصادية الكلية:
يعتبر
وجود سياسة اقتصادية كلية عامة ثابتة و مستديمة, شرطاً ضروريا للاستفادة من
الإمكانات التي تتيحها عولمة الاقتصاد, فـي عقد التسعينات اتجهت الحصة الكبرى من
لاستثمارات الأجنبية إلى الدول الصناعية الكبرى, و بلغت أكثر من 75 كمتوسط. و إن كانت الدول النامية قد أفلحت في زيادة حصتها من
الاستثمارات فإن ذلك كان لصالح 10دول
ناشئة أو صاعدة, يكمن مفتاح قيام اقتصاد سوق أكثر حيوية في الدول النامية في نوعية
التصرف في المؤسسات العامة و في درجة ثقة الوكلاء.
ب- الاقتصاديين
المحليين و الأجانب في هذا التسيير:
و
يمكن إيجاز العوامل المؤثرة إيجابا في هذا الأداء في النقاط التالية:
-
إطار
مؤسساتي و قانوني يشجع تطور اقتصاد قائم على مؤسسات أكثر فعالية.
-
خلق
بيئة تنافسية تجعل السوق أكثر نجاعة؛
-
ضمان
شفافية أكثر لنشاط المؤسسات الاقتصادية.
ج- تدعيم القطاع
المالي:
أظهرت
التجارب أن الدول التي تحضى بقطاع مالي و مصرفي متحرر و متطور هي في الغالب التي
استفادت من الاستثمارات, و حققت آداءاً اقتصاديا أفضل, كما برهنت هذه التجارب على
أنّ نجاح الإصلاحات الهيكلية و قدرة الإقتصاد على مقاومة الصدمات الخارجية
الفجائية, ترتبط بسلامة القطاع المالي و البنكي نظراً لأهمية القطاع المالي و
البنكي و أهميته في رفع كفاءة الاقتصاد و تحقيق الاستقرار الكلي المنشود.
و من المنتظر أن تكون مسألة تحرير و
هيكلة الأنظمة المالية محور نقاشات قادمة في منظمة التجارة العالمية, و صندوق
النقد و البنك الدوليين, نظراً لحساسية هذا القطاع و التحديات التي تواجهه بعد
أزمة نهاية التسعينات.
د- تنمية المصادر
البشرية:
إن
مسيرة التنمية في الدول الأقل نمواً أسيرة بتحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة تفوق
معدلات النمو الديمغرافي لتضييق الفجوة بينها و بين الدول المتقدمة, و هذا الأمر
يتطلب تحقيقه تطوير كفاءات القادرة على توليد التقانة الأكثر ملائمة من خلال
التركيز على التعليم و البحث العلمي و التطويـر.
هـ - إصلاحات
سياسية:
إن
نجاح السياسات في البلدان النامية مرهون بإنجاز إصلاحات سياسية تسمح بمشاركة القوى
الفاعلة و الكفاءات الحية في رسم القرارات الاقتصادية و السياسات المصيرية, و في
ظل التحولات اتجهت مجموعة كبيرة من البلدان لإقامة تكتلات اقتصادية لمواجهة العولمة
و إثبات وجود في منظومة الاقتصاد العالمي بعد تزايد عدد الموقعين على الجات التي
أصبحت OMC,
منها المجموعة الاقتصادية الأوروبية, و منطقة التبادل الحر لأمريكا الشمالية, و
رابطة دول جنوب شرق آسيا و المجموعة الاقتصادية الإفريقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق